دور التحكيم في تحقيق الأمن القضائي
لازال المغرب يعمل جاهدالإصلاح منظومة العدالة بحيث توافرت كل الظروف الملائمة يبقى أهمها الترسانة التشريعية يبقى على رأسها الدستور الجديد بهدف زرع ثقة المجتمع والمستثمر في السلطة القضائية، ولا تتحقق هذه الثقة إلا بوجود قضاء مستقل يصبوا إلى لغاية واحدة وهي تحقيق الأمن القضائي.
هذا الأخير والذي طالما ارتبط بالسلطة القضائية بكونها الجهاز الكلاسيكي الرامي إلى تحقيقه، و ذلك بتوفر مجموعة من العناصر الأساسية، ومن أهمها استقلال السلطة القضائية، الحق في محاكمة عادلة، المساواة أمام القانون، وعدالة بأقل تكلفة…و غيرها من العناصر الضرورية ، لكن حينما نتحدث عن التحكيم و دوره في تحقيق الأمن القضائي يظهر جليا تباعد بين المفهومين لكون التحكيم يعد وسيلة بديلة عن قضاء الدولة بحيث أنه عرف في السنوات الأخيرة انتشارا متزايدا خصوصا في المجال التجاري لما يتطلبه هذا الأخير من خصائص تتلاءم وخصوصيات التحكيم مما فرض على المشرع المغربي تبني هذه الآلية من خلال القانون 05-08 من أجل خلق مناخ خصب للاستثمار،و تجاوز طول المساطر القضائية، و التعقيدات التي تعتريها دون الحديث عن تكدس القضايا ،و غيرها من الإكراهات التي لازالت تعاني منها منظومة العدالة المغربية، والتي تحول دون تحقيق الأمن القضائي .
وما دفعنا لاختيار هذا الموضوع بالإضافة للمكانة التي أصبح يحتلها التحكيم، وأيضا طبيعته التي تضاربت حولها الآراء الفقهية إلا أن الطبيعة القضائية تبقى الأقرب نظرا للخصائص التي يمتاز بها التحكيم ، وجوهر الموضوع يتمحور حول الإشكال التالي:
إذا كان الأمن القضائي غاية كلاسيكية للسلطة القضائية ،فما هي عناصر الأمن القضائي المتوفرة في التحكيم ؟وكيف يمكنه تحقيق الأمن القضائي ؟
وجوابنا على الإشكال التالي سنقسمه على محورين :
المحور الأول: عناصر الأمن القضائي في التحكيم
المحور الثاني: دور التحكيم في تحقيق الأمن القضائي
المحور الأول: عناصر الأمن القضائي في التحكيم
كما تمت الإشارة إليه في المقدمة فمجموعة من الباحثين و الفقهاء في مجال التحكيم اصبغوا عليه الصفة القضائية بحيث انطلق هؤلاء بالنظر إلى المهمة التي تعطى إلى المحكم فهي مهمة قضائية وذلك بالاستناد على معيار موضوعي إلا وهو “حسم النزاع ” فالمحكم يفصل في النزاع شانه شان القاضي ، ومن تم فوظيفته قضائية بحيث أن حكم التحكيم يتضمن حلا للنزاع كأي حكم قضائي، وأيضا من العناصر الأساسية المتفق عليها أن استقلال القضاء و حياده يعتبر ركيزة أساسية لتحقيق الأمن القضائي ، كذلك هو الأمر بالنسبة للهيئة التحكيمية أو المحكم بحيث نص الفصل 327-6 من قانون 05-08 “ويجب على المحكم الذي قبل مهمته أن يفصح كتابة عند قبوله عن أي ظروف من شأنها إثارة شكوك حول حياده أو استقلاله ” ويمكن أيضا للأطراف تجريح أحد المحكمين كما هو الشأن بالنسبة للقاضي من خلال الأسباب المبينة في الفصل 323 من قانون 05-08 و عليه فاستقلال و حياد المحكم شرط جوهري لقيام الهيئة التحكيمية بشكل قانوني ؛ إضافة لذلك إذا كانت الجلسات القضائية تتم علنا فالتحكيم يمتاز بخاصية السرية، ولعل لهذه الخاصية مكانة مهمة في مجال الاستثمار بصفة عامة، ولحياة المقاولة بصفة خاصة خصوصا ما يتعلق بالسر المهني للمقاولة .
كما تعد خاصية السرعة من أهم الخصائص التي يتميز بها التحكيم في ضل ما يعرفه القضاء المغربي من بطأ، و طول المساطر، و تعقيداتها مما يحول دون تحقيق الأمن القضائي الذي من مقوماته الذاتية سرعة البث في القضايا إلا أن أهم عنصر من عناصر الأمن القضائي هو تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الإدارة ، وتتجلى صورة هذا العنصر في إمكانية لجوء الإدارة إلى التحكيم في إطار النزاعات المتعلقة بالعقود التي تبرمها مع الخواص بعدما كانت هذه إمكانية غير متاحة قبل صدور قانون 05-08 وذلك من خلال الفصل 310 بحيث حدد المعاملات التي يمكن أن تكون محل تحكيم .
أما العناصر المرتبطة بالإجراءات المسطرية للتحكيم فقد تطرق المشرع في الفصل 327-10 على إجراءات التحقيق بما فيها سماع شهادة الشهود كما نص هذا الفصل على ضمانة أساسية وهي أن يعامل أطراف التحكيم على قدم المساواة مع احترام حقوق الدفاع، و قد حدد الفصل 327-11 و 327-12 هذه الإجراءات، و بالتالي تطغى الطبيعة القضائية على التحكيم مما دفعنا للقول أن التحكيم قد لا يكون وسيلة بديلة لحل النزاعات فقط ، بل يمكن أن يكون وسيلة بديلة أو إضافية في تحقيق الأمن القضائي إلى جانب قضاء الدولة .
ثانيا : دور التحكيم في تحقيق الأمن القضائي
إذا كان الأمن القضائي يقوم أساسا على غاية مفادها ثقة المواطن في قضائه فيجب أيضا هذه الثقة أن تنتقل إلى التحكيم لكي يتمكن هذا الأخير من تحقيق الأمن القضائي لكن كيف ؟
للإجابة عن هذا التساؤل سننطلق من أول عنصر من عناصر الأمن القضائي التي يتوفر عليها التحكيم و ما يطرحه من إشكالات ؛ و هو استقلال الهيئة التحكيمية و حيادها ؛بحيث ألزم الفصل 327-6 على المحكم أن يفصح عن أي ظروف من شانها إثارة أي شكوك حول حياده و استقلاله “، فشرط الاستقلال هنا من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها التحكيم ، لكن طبيعة التحكيم وكما هو معلوم فهو في غالبيته يخضع لإرادة الأطراف بما فيها تعيين المحكم أو الهيئة التحكيمية ، وهنا يبرز إشكال قد يشكل عائقا أمام استقلال المحكم؛ وذلك راجع للعلاقة التي تربط المحكم بالطرف الذي عينه ، وهنا قد يكون نوع من الزبونية خاصة إذا حدد شرط التحكيم محكما واحدا ،و المشرع المغربي خول للإطراف تقديم طلب تجريح المحكم من خلال الفصل 327-8 مما يشكل ضمانة تزرع الثقة في نفسية الأطراف بأن منازعتهم سيتم الفصل فيها بحياد و استقلالية .
كما أن العناصر التي تحدثنا عنها سابقا في المحور الأول ، والتي بدورها تشكل ضمانات للأطراف بحيث أنها تزرع لديهم الثقة في مؤسسة التحكيم كقضاء بديل من خلال ما يوفره من ضمانات، و نجاعة ربما أكثر من تلك التي يوفرها قضاء الدولة ؛ ومن العناصر الأساسية للأمن القضائي استقرار الاجتهاد القضائي ،وهذا العنصر متوفر من خلال مجموعة من قرارات محكمة النقض التي تخص التحكيم، وأيضا وجوب خضوع المقررات التحكيمية الخاصة بالعقود الإدارية للتذييل بالصيغة التنفيذية مما يوفر ضمانة تنفيذ الأحكام التحكيمية الصادرة ضد الدولة ؛ وأيضا من خصائص التحكيم أيضا قلة التكاليف لكن الواقع العملي يثبت العكس بحيث أن التحكيم اليوم أصبحت تكاليفه باهظة خصوصا أن المشرع المغربي ترك للأطراف حرية تحديد الأتعاب، و النفقات مما يفتح المجال لارتفاع تكاليف التحكيم خصوصا في الملفات الكبرى .
ولتجاوز هذه المعيقات أو الإرهاصات التي تشوب التحكيم يستوجب أولا تخليق هذا المجال شانه في ذلك شان القضاء ،و أيضا إشاعة هذه الوسائل في المجتمع المغربي فالقلة القليلة هي التي تعلم بمؤسسة التحكيم ، كما يجب النهوض بالتكوينات المختصة بالوسائل البديلة لحل المنازعات ،و فتح المجال لطلبة هذا التكوين بإشراكهم في دورات تكوينية تطبيقية تكشف لهم واقع الممارسة لكي لا يبقى التحكيم حكرا على فئة معينة مما سيساهم نوعا ما في تراجع تكاليف التحكيم .