الأستاذة نجاة المغراوي: رفض تنفيذ الحكم التحكيمي
رئيسة الهيئة الدولية للتحكيم والعلوم القانونية
هناك العديد من الأسباب التي بموجبها يجوز للهيئة المختصة التي يطلب إليها تنفيذ القرار التحكيمي أن ترفض ذلك.
فمثلا عدم صحة اتفاق التحكيم من بين الأسباب التي يحق للهيئة القضائية المطلوب إليها الاعتراف ومنح الصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي أن ترفض ذلك، إذ أن الاتفاق هو أساس التحكيم، وسواء اتخذ شكل شرط أو مشارطة، وبالتالي فإن شابه عيب فإن من شان ذلك أن يؤثر على عملية التحكيم كلها وعلى الحكم الناتج عنها فيعوق طلب تنفيذه، فينبغي حتى تكون عملية التحكيم صحيحة، وحتى يتسنى تنفيذ حكم المحكم سواء في دولة الصدور أو في دولة أخرى، أن يكون هناك اتفاق تحكيم وأن يكون صحيحا فعالا، وساريا حتى لحظة صدور الحكم[1].
وفي هذا الإطار، نصت اتفاقية نيويورك، أن من أسباب “الرفض” عدم تشكيل هيئة للتحكيم طبقا لما اتفق عليه الطرفان على كيفية تعيين المحكمين وتشكيل هيئة التحكيم.
وكذلك، فإن تجاوز هيئة التحكيم لاختصاصها في النظر بالنزاع المعروض أمامها وذلك بأن يتضمن حكم التحكيم الذي أصدرته الحكم في موضوع لم يرد في الاتفاق الذي تم بين الطرفين، أو أن الحكم تضمن بعض المسائل التي لم ترد في اتفاق التحكيم ولم يطلب الطرفان حسمها في التحكيم، إذ لا يجوز للمحكمين إصدار حكم في مسالة لم تعرض عليهم[2].
من جهة أخرى، بينت اتفاقية نيويورك سببا آخرا من أسباب رفض تنفيذ القرار التحكيمي، وهو في حالة إثبات الخصم أي الطرف الذي صدر ضده الحكم التحكيمي أنه لم يعلن بشكل صحيح بتعيين المحكمة أو بإجراءات التحكيم، وهذا يعني أن الخصم المذكور لم يبلغ باسم المحكم الذي عينه الطرف الآخر أو اسم المحكم الذي عينته سلطة التعيين أو المحكمة عند الاقتضاء، أو أن الخصم المذكور لم يبلغ بادعاءات الطرف الآخر أو أنه لم يعلم بأوقات المرافعة، كل هذه الأمور تجعله في وضع يجهل فيه ما يجري بشكل صحيح لحل النزاع بينه وبين الطرف الآخر، الأمر الذي يعتبر خرقا لمبدأ المساواة بين أطراف النزاع، وهو مبدأ أساسي في ضمان حقوق المتخاصمين ذلك أن احترام حقوق الدفاع مبدأ مستقر في الضمير العالمي، وبصرف النظر عن أي قانون وطني محدد، كما أن هذا المبدأ ورد في جميع الاتفاقيات التي تعنى بالتحكيم، كما يبقى من أهم الأسباب التي تؤدي إلى رفض الاعتراف وتذييل الحكم التحكيمي الدولي بالصيغة التنفيذية هو مخالفته للنظام العام، وفيما يخص النظام العام تجدر الإشارة إلى أن هناك من التشريعات من لا يفرق بين النظام العام الوطني، والنظام العام الدولي[3].
ولكن الاتجاه الحديث في القضاء والتشريع[4] هو التفريق بين النظام العام الداخلي والنظام العام الدولي، ويلاحظ أن العديد من القرارات القضائية الفرنسية ذهبت في هذا الاتجاه، إذ أنها تفرق بين النظام العام الداخلي والنظام العام الدولي، وقد تم تنفيذ كثير من القرارات التحكيمية وإن كانت تتضمن مخالفة للنظام العام الفرنسي ذلك لأنها لا تخالف النظام العام الدولي[5].
أما بالنسبة للقانون المغربي، فإن المشرع في قانون 05/08[6] جعل أسباب رفض الاعتراف وتخويل الصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي التي سبق ذكرها أسبابا للطعن بالاستئناف في الأمر القاضي بتخويل الاعتراف أو الصيغة التنفيذية بحيث جعل أسباب هذا الطعن تتمثل في ما يلي:
1- إذا بثت الهيئة التحكيمية دون اتفاق تحكيم أو استنادا إلى اتفاق باطل أو بعد انتهاء أجل التحكيم.
2- إذا تم تشكيل الهيئة التحكيمية أو تعيين المحكم المنفرد بصفة غير قانونية.
3- إذا بثت الهيئة التحكيمية دون التقيد بالمهمة المسندة إليها.
4- إذا لم تحترم حقوق الدفاع.
5- إذا كان الاعتراف أو التنفيذ مخالفا للنظام العام الدولي أو الوطني.
كما أن المشرع المغربي[7] جعل الأمر الذي يرفض الاعتراف أو يرفض تخويل الصيغة التنفيذية قابلا للطعن بالاستئناف، والذي يرفع أمام محكمة الاستئناف ذات الاختصاص المكاني بالنظر إلى مقر المحكمة التابع لها رئيس المحكمة وذلك داخل أجل 15 يوما من تاريخ التبليغ، وتبث محكمة الاستئناف طبقا لمسطرة الاستعجال[8].
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المشرع لم يحدد أي محكمة استئناف يقصد؟
ولكن من المؤكد أنه يقصد محاكم الاستئناف التجارية، ذلك أنه منح لرئيس المحكمة التجارية سلطة الاعتراف ومنح الصيغة التنفيذية للأحكام التحكيمية الدولية، وذلك في الفصل 46-327، وبالتالي فإنه من المنطقي أن يرفع الطعن بالاستئناف في الأمر بالاعتراف أو التذييل بالصيغة التنفيذية إلى رئيس محكمة الاستئناف التجارية لا غيرها.
كما تجدر الإشارة إلى أن الطعن بالاستئناف سواء برفض الاعتراف أو تخويل الصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي أو في الأمر القاضي بتخويل الاعتراف أو الصيغة التنفيذية للحكم التنفيذي يوقف تنفيذ الحكم التحكيمي وذلك ما لم يكن الحكم التحكيمي مشمولا بالنفاذ المعجل، إذ يمكن في هذه الحالة للجهة التي تبث في الطعون أن تأمر بوقف التنفيذ إذا ظهر لها ما يبرر ذلك[9].
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
الإحالات
[1]– أحمد هندي: “تنفيذ أحكام المحكمين”، ص 32.
[2]– فوزي محمد سامي: “التحكيم التجاري الدولي”، ص 376.
[3]– كما هو الحال في اتفاقية نيويورك، واتفاقية جنيف لعام 1927 (المادة الأولى فقرة هـ) واتفاقية الرياض لعام 1983 (المادة 37 هـ) والاتفاقية العربية للتحكيم التجاري (المادة 35 الفقرة 2).
[4]– كما هو الحال في القانون الفرنسي (المادة 1502) وقانون أصول المحاكمات اللبناني (المادة 814).
[5]– قرارات مذكورة لدى فوزي محمد سامي: “التحكيم التجاري الدولي”، المرجع السابق، ص 382.
[6]– الفصل 49-327 من قانون 05/08 (انظر خزانة موقع المعلومة القانونية).
[7]– الفصل 48-327 من قانون 05-08 (انظر خزانة موقع المعلومة القانونية).
[8]– الفصل 50-327 من قانون 05-08 (انظر خزانة موقع المعلومة القانونية).
[9]– الفصل 53-327 من قانون 05-08 (انظر خزانة موقع المعلومة القانونية).