فقدان الشغل بسبب فيروس كورونا بقلم محمد الحمدني

فقدان الشغل بسبب فيروس كورونا بقلم محمد الحمدني

فقدان الشغل بسبب فيروس كورونا بقلم محمد الحمدني

فقدان الشغل بسبب فيروس كورونا

تقديم :

أصبح فيروس “كورونا” المستجد موضوع نقاش عالمي، لا فقط وطني، وذلك بالنظر الى خطورته وما أحدثه من اضرار اقتصادية واجتماعية، ومن اضطرابات نفسية داخل المجتمعات العالمية.

ولعل المملكة المغربية بدورها لم تسلم هي الأخرى من هذا الوباء، مما دفعها الى اتخاد جملة من الاحتياطات، لعل أبرزها ما جاء في بلاغ عن وزارة الداخلية بإغلاق المقاهي والمطاعم والقاعات السينمائية والمسارح وقاعات الحفلات والأندية والقاعات الرياضية والحمامات، وقاعات الألعاب وملاعب القرب في وجه العموم حتى اشعار آخر، وذلك انطلاقا من يوم الإثنين 16 مارس 2020 على الساعة السادسة مساء.

بناء على المعطيات أعلاه وأخرى، قد يحصل أن يفقد الأجير شغله بفعل الإغلاق الجبري لبعض المقاولات بسبب فيروس “كورونا”، حيث وخلال هذه المرحلة (مرحلة التوقف)، قد تمر المقاولة بأزمة اقتصادية حرجة، من جراء عدم تنفيذها للالتزامات الملقاة على عاتقها، مما قد يؤدي بها الى الموت، أي الإغلاق النهائي. كما قد يفقد هذا الأجير شغله بسبب ما يسمى -بالحجر الصحي-، من خلال التزامه بيته سواء بفعل الرهبة والخوف المتولد داخله بسبب هذا الفيروس، أو أن يفرض عليه دلك لأسباب وقائية، وبالتالي عدم تنفيذه لالتزاماته الشغلية، مما قد يعتبر مبررا مشروعا لفصله من الشغل.

إقرأ أيضا : أزمة الوعي المجتمعي

كل هذه الفرضيات الواقعية وأكثر دفعتنا وقوة شغفنا لتخصيص هذا الجزء من البحث للحديث عن فقدان الشغل بسبب فيروس “كورونا” المستجد. مخصصين الفقرة الأولى لتحديد الطبيعة القانونية لفقدان الشغل بسبب فيروس “كورونا”، ثم الفقرة الثانية لتناول الجانب المادي من الموضوع، من خلال الحديث عن التعويض عن فقدان الشغل بسبب فيروس “كورونا”.

الفقرة الأولى: الطبيعة القانونية لفقدان الشغل بسبب فيروس كورونا.

إن الأصل في العقود عموما، وعقود الشغل على وجه الخصوص هو الوفاء بها، وذلك لقوله تعالى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ[1]، بحيث يقع على كل من الأجير والمشغل مجموعة من الالتزامات، والتي يجب أن يوفى بها وأن تنفد بحسن نية. وفي حالة تماطل أحدهما، يتحقق مسؤوليته العقدية تجاه الطرف الآخر.

إلا أنه قد يحصل عدم تنفيذ أحد أطراف العلاقة الشغلية للالتزامات الملقاة على عاتقه، بسبب مرتبط بفيروس “كورونا”، الشيء الذي يدفعنا الى ضرورة تأطير هذا فيروس بين القوة القاهرة والظرف الطارئ.

لم يعرف المشرع المغربي في مدونة الشغل القوة القاهرة حيث اكتفى بإيرادها في مجموعة من المواد المتفرقة[2]، لكنه عرفها في قانون الالتزامات والعقود من خلال الفصل 269 بأنها “هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه، كالظواهر الطبيعية )الفيضانات والجفاف، والعواصف والحرائق والجراد (وغارات العدو وفعل السلطة، ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه، ما لم يقم المدين الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه عن نفسه 3 وكذلك لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين”

إقرأ المزيد  دور الإدارة الرقمية في توطين وتوطيد الحكامة المالية بالجماعات الترابية

بالرجوع الى مقتضيات هذا الفصل نجد أن المشرع المغربي قد حدد لتحقق القوة القاهرة ثلاثة شروط، وهي: عدم التوقع، استحالة الدفع، انعدام خطأ المدين

إقرأ أيضا : وباء كرونا المستجد وداء ارتفاع اسعار المنتجات “أية مقاربة قانونية”

على خلاف القوة القاهرة التي عرفها المشرع المغربي من خلال الفصل 269 من ق.ل.ع، فإنه لم يورد تعريفا للظروف الطارئة، هذه الأخيرة عرفا البعض بأنها: “أي حدث يقع أو يمر على دولة ما، ويتعذر معه مواجهته باتخاذ القرارات الادارية التقليدية، ويقضي معه اتخاد قرارات أو اجراءات سريعة لتفادي أو مواجهة الأضرار التي قد تقع من جراء وقوع الحدث الطارئ”[3]

كما تتحدد شروط تطبيقها في ثلاث:

  • 1/ أن يقع ظرف طارئ وخطير يهدد سلامة البلاد
  • 2/ أن يتم تناول أحكام الظروف الطارئة في الدستور
  • 3/ أن يتم إعلان الإجراءات التي ستتم بها مواجهة الظروف الطارئة

وحتى نربط الأمر بالمملكة المغربية، وبعد إعلان حالة الطوارئ التي تفيد بضرورة التزام المنازل وحظر التجول، كإجراء احترازي وقائي من فيروس “كورونا”، مع منح أحقية ممارسة بعض الأنشطة الضرورية المحددة في وثيقة رسمية صادرة عن الجهات المختصة.

إقرأ أيضا : قائمة لبعض المواقع التعليمية المفتوحة والمجانية للتعليم عن بعد

بذلك وخلافا للشرط الثاني من شروط تحقق القوة القاهرة، فإنه في حقيقة الأمر أن توقف المقاولة بسبب فيروس “كورونا” هي واقعة مادية، يمكن دفعها من قبل المشغل، لسيما وأن المغرب قد نهج إجراءات تراتبية، منهجية متسلسلة، بداية بالتحذير من هذا الوباء، ثم محاولة التحكم فيه وفي الحالات المصابة به … الى حين إغلاق بعض المقاولات وحظر التجول، واعلان حالة الطوارئ.

لكل هذه الأسباب يحق القول وجوبا على المشغل أن يستشرف المستقبل ويتخذ ما يمكنه من اجراءات لمواجهة هذا الفيروس ودفعه، وذلك حتى لا يتمسك بأن توقف المقاولة هو نتيجة فيروس “كورونا”، معتبرا إياه قوة قاهرة، ليتحلل من التزاماته تجاه الأجير. أما عن الأجير فيجب عليه أن يستمر في القيام بعمله بشكل طبيعي، وذلك أن فيروس “كورونا” بحسب الأصل لا يشكل قوة قاهرة ما دامت أن المقاولة غير متوقفة عن نشاطها.

هذا وتجدر الإشارة الى أن الدولة المغربية وفي إطار حالة الطوارئ وضرورة البقاء في البيوت، قد وضعت رهن إشارة العموم[4]، وثيقة من شأنها أن تبرر سبب الخروج من المنزل، خلال فترة الطوارئ.  مما يتيح الإقرار بأن تنفيذ الالتزامات ليست مستحيلة-القوة القاهرة- وانما قد تكون مرهقة نوعا ما بحسب الأحوال والظروف.

إقرأ أيضا : إلى السيد رئيس الحكومة خذ ترقيتك وانصرف

غير أنه يمكن أن يكيف فيروس “كورونا” على أساس القوة القاهرة، في الحالة التي لا يكون للمشغل أو الأجير دخل أو سلطة للقيام بالالتزامات الملقاة على عاتقه من عدمها. كما هو الشأن بالنسبة للمشغلين في الحمامات والمقاهي … الذين أجبروا على إغلاق هذه المقاولات. أو الأجراء المتواجدون في منطقة معينة تفشى فيها الوباء بشكل كبير، وأفرض عليهم البقاء في بيوتهم لأسباب وقائية.[5]

إقرأ المزيد  دليلك للنجاح في الامتحان الشفوي لمباراة المحاماة،طريقة اجتياز الامتحان + نصائح مهمة للنجاح+ مراجع مهمة للاستعداد.

وعليه يمكن استخلاص أن تكييف فقدان الشغل بسبب فيروس “كورونا” على أنه قوة قاهرة، أم ظرف طارئ، متوقف على السلطة التقديرية للقاضي.

ومادام الأمر يتعلق بإثبات وقائع مادية فإن الإثبات يتم بكافة الوسائل الممكنة. ونظرا لخطورة الآثار التي تترتب على التمسك بالقوة القاهرة، فإنه يجب على محكمة النقض الحرص على مراقبة قاضي الموضوع أثناء إعماله لسلطته التقديرية[6]

الفقرة الثانية: التعويض عن فقدان الشغل بسبب فيروس كورونا

تنفيذا للتعليمات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، تم احداث صندوق خاص لتدبير ومواجهة وباء فيروس كورونا، وذلك من أجل التكفل بالنفقات المتعلقة بتأهيل البنيات الصحية، والحد من أثار هذا الوباء على الاقتصاد الوطني.

وقبل الخوض في التفصيل والتعمق وتناول الشق المتعلق بالتعويض عن فقدان الشغل بسبب هدا الفيروس، نحيط القارئ علما اننا سنقوم بمعالجة هذه الفقرة وقف المستجدات الأخيرة الخاصة بعملية الدعم المؤقت للأسر العاملة في القطاع غير المهيكل المتضررة من فيروس كورونا الصادرة في السابع والعشرين من شهر مارس. 2020

ان التعويض عن فقدان الشغل بسبب فيروس “كورونا” عموما هو اجراء يهدف بالأساس الى مرافقة الأجير الذي فقد شغله إثر قوة قاهرة حالت دون أن ينفذ التزامه أو حالت دون استمرار نشاط المقاولة لأسباب اقتصادية غير متوقعة، وبالتالي تعويضه عن الضرر الذي أصابه. وبحسب ما صدر من بلاغات صحفية عن وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة،[7] فإن هذه التعويضات تختلف باختلاف الأجراء من حيث تسجيلهم بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من عدمه.

1 . الأجراء المسجلين في صندوق الضمان الاجتماعي

بعد مشاورات واجتماعات متواصلة، قررت لجنة اليقظة الاقتصادية منح تعويض شهري جزافي قدره 2000 درهم، بالإضافة الى الاستفادة من خدمات التغطية الصحية الإجبارية والتعويضات العائلية، لفائدة الاجراء والمستخدمين بموجب عقود الاندماج والبحارة الصيادين المتوقفين مؤقتا عن العمل المصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي برسم شهر فبراير 2020، والمنتمين للمقاولات المنخرطة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي التي تواجه صعوبات.

ويهم هذا التعويض الفترة الممتدة من 15 مارس الى 30 يونيو 2020، الا ان هذا المقتضى لم يشمل الا طائفة محددة ويتعلق الأمر بالأجراء المسجلين في صندوق الضمان الاجتماعي والدين أرغم عليهم بطبيعة الحال اغلاق المقاولات التي يشتغلون داخلها، كما اشترط القرار على ضرورة ان يكون الاجير قد صرح بانخراطه في الصندوق خلال شهر فبراير من العام 2020، على خلاف ما هو معمول به، والمتمثل في ضرورة أن يراكم الأجير 260 يوم من العمل داخل فترة 12 شهرا الأخيرة، أي ما يعادل 10 أشهر المصرح بها لدى صندوق الضمان الاجتماعي داخل 12 شهرا من فقدانه لعمله. بالإضافة إلى 780 يوم من العمل خلال الثلاث سنوات الماضية.

إقرأ المزيد  القرار الإداري السلبي وتطبيقاته في المملكة العربية السعودية (دراسة مقارنة)

وبحسب ما جاء في البلاغ فأنه يجب على الاجراء الذين سيستفيدون من هذه التعويضات أن يكونوا موضوع تصريح بالشرف من طرف المقاولات التي تشغلهم، وذلك عبر البوابة الالكترونية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الخاصة بالتعويضات الجزافية الشهرية. ويفيد هذا التصريح بأن المقاولة توجد في حالة توقف كلي أو جزئي لنشاطها بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا. وبالتالي فكل أجير غادر عمله عن قصد لن يستفيد من هذا التعويض.

  • الأجراء المسجلين في صندوق الضمان الاجتماعي

تبعا لتعليمات صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، فقد ركزت لجنة اليقظة الاقتصادية في اجتماعها ليوم الاثنين 23 مارس 2020 على تدابير دعم القطاع غير المهيكل المتأثر مباشرة بالحجر الصحي.

ونظرا لتعقيد هذه الإشكالية، اتخذ القرار لمعالجتها على مرحلتين:

  • المرحلة الأولى: تهم الأسر التي تستفيد من خدمة راميد وتعمل في القطاع غير المهيكل وأصبحت لا تتوفر على مدخول يومي إثر الحجر الصحي. هذه الأسر يمكنها الاستفادة من مساعدة مالية تمكنها من المعيش والتي سيتم منحها من موارد صندوق محاربة جائحة كورونا، وستحدد هذه المساعدة المالية على النحو التالي:

أولا: 800 درهم للأسرة المكونة من فردين أو أقل.

ثانيا: 1000 درهم الاسرة المكونة من ثلاث إلى أربع أفراد.

ثالثا: 1200 درهم للأسرة التي يتعدى عدد أفرادها أربعة أشخاص.

كما أضاف البلاغ بأنه يجب على رب الأسرة الذي يستفيد من خدمة راميد إرسال رقم بطاقة راميد الخاصة به عن طريق رسالة قصيرة من هاتفه المحمول إلى الرقم التالي 1212. مع اشتراط أن تكون بطاقات الراميد قد كانت صالحة في 31 دجنبر 2019.

وأشار البلاغ إلى أنه يمكن الإدلاء بهذه التصريحات ابتداء من الاثنين 30 مارس 2020، وسيتم توزيع المساعدات تدريجيا ابتداء من الاثنين 6 أبريل القادم من أجل احترام الإجراءات الوقائية التي تمليها الجائحة.

  • المرحلة الثانية: بالنسبة للأسر التي لا تستفيد من خدمة راميد والتي تعمل في القطاع غير المهيكل والتي توقفت عن العمل بسبب الحجر الصحي، حيث سيتم منحها نفس المبالغ المذكورة سابقا.
فقدان الشغل بسبب فيروس كورونا بقلم محمد الحمدني
فقدان الشغل بسبب فيروس كورونا بقلم محمد الحمدني

[1]  سورة المائدة، الآية 1

[2]  المواد 32، 33، 43، 54 من مدونة الشغل

[3]  أحمد الهرماس، هاجس كورونا بين جدل القوة القاهرة والظروف الطارئة، مقال منشور على موقع إلكتروني، www.mobile.sobq.org/emp/F7KGHm، تاريخ التصفح: 20\03\2020

[4]  يقصد بالعموم في سياق هذه الفقرة، كل شخص تربطه التزامات تعاقدية يجب أن يفي بها، تخت طائلة تحمل الجزاءات

[5] يدخل ضمن هذا النطاق أيضا المقاولات التي تشتغل ليلا فقط، على اعتبار وبحسب المستجدات الخاصة بهذا الوباء داخل المملكة المغربية، أنه يجب أن تغلق جميع المقاولات قبل السادسة مساء تحت طائلة تحمل الجزاءات.

[6]  محمد الكشبور، نظام التعاقد ونظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة، الطبعة الأولى، مطبعة النجاح الجديدة، سنة 1993، ص2

[7]  الموقع الرسمي لوزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة: www.finances.gov.ma

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

المرجوا إلغاء مانع الإعلانات لتتمكن من مشاهدة المحتوى