الصحافة والإصلاح السياسي دراسة في تحليل الخطاب

تزايدت أهمية البحث في إشكالية الإصلاح السياسي خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد أحداث الحـادي عشر من سبتمبر 2001، ففي أعقاب هذا الحدث صـارت النظم السياسية العربية بشكل عـام موضعا للتحليل والدراسة من قبل علماء السياسية، وقيادات الرأي العام في الغرب فبعد أن كان مطلـب الإصـلاح السياسي هدفا وطنيا مـن قبـل قـوى المعارضة السياسية العربية في الثمانينات والتسعينات مـن القـرن العشرين – أضحى تعديل وتغيير وإصلاح تلك النظم عـلى أجندة الغـرب، ونتيجة لهذا الاهتمام الغربي بعملية الإصلاح السياسي في المنطقة العربية صدرت تقارير دولية عن الأمم المتحدة ترسم ملامح خطـوات الإصلاح داخل تلك النظم، الأمر الذي أزعج العديد من النظم العربية التي راحـت تتبنى مشاريع وطنيـة للإصلاح السياسي، مما خلق جدلاً بين المثقفين العرب حول مشاريع الإصلاح، فهل تقبـل النخب العربيـة الحاكم منها والمعارض الرؤى الأمريكية للإصلاح أم يجب أن ينبع الإصـلاح مـن الـداخل، فـالبعض عـارض صراحة هذا الإصلاح باعتباره صورة صريحة للتدخل الاستعماري في الشئون الداخليـة للـوطن العربي، وأن العالم العربي بتاريخه لا يحتاج سوى العودة للتراث، ووافق البعض الآخـر عـلى هـذه المبادرات باعتبارها ضرورة لا مناص عنها في الألفية الثالثة بصرف النظر عن مصدر المبادرة، بينما رأى فريق ثالث أهمية قبـول فكرة الإصلاح على أن تنبع من داخل العالم العربي حتى تراعي خصوصيته الثقافية وأوضاعه الاجتماعيـة مع مراعاة الربط بين التنمية والديمقراطية، وتأتي وسائل الإعلام لتقـوم بـدور مهم في هذا الإطـار نـظـرا لأهميتها في إدارة المواقف الصراعية داخل المجتمعات التي تهدف إلى إحداث تحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية تتعـارض وجهات النظر حولهـا، ويعتمـد أفـراد الجمهـور عـلى الـصحف في متابعـة المراحـل الأولى للصراع داخل المجتمع، وتظهر تأثيرات وسائل الإعلام في بناء تصورات الجمهور منـذ المراحل المبكرة الأمر الذي يبرز أهمية الدور الذي تلعبه الصحف بعد ذلك، فوسائل الإعلام تعـد مـن الأدوات الفاعلة والمهمة في المجال السياسي فهي لا تقـوم فقط بنقل الرسائل أو المعلومات من المؤسسات السياسية إلى الجمهور، ولكنها تحول هذه المعلومات من خلال مجموعة متنوعـة مـن العمليات الخاصـة بـصناعة الأخبار لتحقيق أهداف وغايات محددة، ويرى B.Mcnair ، أن هناك علاقة جدلية بين وسائل الإعلام والعملية السياسية، فوسائل الإعلام تعمل على نقـل وتحليل النشاط السياسي، ولكنها في نفس الوقت تعـد جـزء من العملية السياسية، فهـي مـن المصادر المتاحـة أمـام الـساسة للحصول على المعلومات، وتلقي ردود أفعال الجمهور نحو سياستهم مما يساعد في صنع القرار، فضلاً عن اعتماد الجمهـور عليها في تكوين معتقداته، واتجاهاته إزاء الأحداث التي تقع داخـل الواقع المحيط بهـم ومـا يترتب عليهـا مـن سلوكيات وردود أفعال إزاء هذه الأحداث، مما يبرز الدور الكبير لوسائل الإعلام في مثل هذه الظروف، إذ يقع عليها عبء تعريف الجماهير بالسياسات الخارجية والمواقف الدولية نحـو الإصلاح السياسي ومـا تشهده الدول العربية من أحداث وأزمات خطيرة قد تعيد رسم الخريطة السياسية لها، كما تلعـب وسـائل الإعلام خاصة الصحافة دورا رئيسا وفعالاً في تشكيل سياق التحول السياسي في المجتمعات المختلفة، فهـي تعكس طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع، وبين النخبة والجماهير، ويتوقف إسهامها في عملية الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي – على شكل ووظيفة تلك الوسائل في المجتمع، وحجم الحريات وتعـدد الآراء الاتجاهات داخل هذه الوسائل، ونوع النظام السياسي الذي تعمل في إطاره كما تعد من الأدوات الرئيسة الحاسمة في تدعيم الديمقراطية داخل المجتمعات السلطوية السابقة سـواء مـن خـلال تناولها للأساليب والممارسات الخاصة بالمجتمعات الديمقراطية، أو من خلال إبرازها للسلبيات وجوانب الضعف للنظم غير الديمقراطية، فوسائل الإعلام تتميز بالقدرة على تشكيل المدركات السياسية للأفراد مـن خـلال تزويدهم بالمعلومات عن الشئون والقضايا السياسية، وتركز إدراكهـم لأهمية هذه القضايا وفقا لما تقدمـه مـن مضامين في تفسير وتحليل الأحداث، وترتيب أولوياتهم ومساعدتهم في ربط الأحداث والمواقف السياسية ببعضها البعض، فضلاً عن تأثيرها على الرأي العام، وتؤكد الدراسات على وجود علاقة ارتباطيـة قوية بين حرية وسائل الإعلام والقدرة على الوصول للمعلومات، وتوافر مـؤشرات الحكم الرشيد، والفاعليـة الحكومية، وانخفاض مستوى الفساد، يوضح Art, Silverblatt. And Zlobin ، أن دور وسائل الإعلام في إطار مسيرة الإصلاح السياسي يتحدد بطبيعة النظام السياسي نفسه – فعندما يكون النظام السياسي ديمقراطيا وتسعى مؤسساته إلى تلبية مطالب أفراد المجتمع دون تمييز، فإن وسائل الإعلام يمكنهـا تهيئة المناخ لنجاح عملية الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي مـن خـلال توحيد العمل السياسي، وإشاعة الحـوار الديمقراطي، وترسيخ القيم الديمقراطية، وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية، ومحاربة الفساد بشتى صـوره، أما عندما يهدف النظام السياسي بمؤسساته المختلفة إلى خدمة أفراد بعينهم، ويضع المصالح الخاصـة أمـام الصالح العام، فإن دور وسائل الإعلام يكـون سـلبيا، يساعد على تعميق الفجوة بين النظام السياسي

والمواطنين، ويحث على اللامبالاة والسلبية السياسية، ويصبح معه الإعلاميون مجرد متلقين للأحـداث أكثر
من كونهم موجهين للعمل السياسي، ومن هنا يأتي هـذا الكتاب ليقـدم تفسيرا شاملاً لدور الصحافة في عملية الإصلاح السياسي من خلال ثمانية فصول، يتناول الفصل الأول الإصلاح السياسي كمدخل نظري،ويتعرض الفصل الثاني لدور الصحافة في عملية التحول الديمقراطي، بينما يعرض الفصل الثالث لخطـوات الدراسة التطبيقية لتحليل الخطاب، ويناقش الفصل الرابع أطـر قـضايا الإصلاح السياسي في الصحافة المصرية، ويوضح الفصل الخامس الخطاب الصحفي لقضايا الإصلاح السياسي كما عرضته جريدة الأهرام، ويناقش الفصل السادس من الكتاب خطاب جريدة الوفد لقضايا الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في مصر من خلال ثلاثة محاور رئيسية تتضمن الإصلاح الدستوري والتشريعي، وإصلاح الهياكل والمؤسسات العامة، والحقوق والحريات، ويعرض الفصل السابع لخطاب جريدة الأهالي وموقفهـا مـن قـضايا التغيير السياسي في مصر، ويختتم الكتاب بالفصل الثامن والذي يبحث في آليات الخطاب الصحفي لجريدة المصري اليوم لقضايا التحول الديمقراطي في مصر، ونأمل أن يكـون هـذا الكتـاب هـو الخطوة الأولي التي تليهـا خطوات أخري تسعي لتفسير العلاقة بين وسائل الإعلام وعملية التحول الديمقراطي في إطار الدور الفاعـل الذي تقوم به وسائل الإعـلام مـن خـلال اختبـار نمـاذج نظرية متطورة توضح أبعـاد العلاقة بمختلف إشكالياتها داخل نظم سياسية مختلفة.
دكتور: عيسي عبد الباقي موسى
الهرم: يناير 2009