مبادئ علم السياسة المقارن
مقدمة الكتاب
شهدت السنوات العشرون المنصرمة تحولا في علم السياسة المقارن: نهاية الحرب الباردة وانهيار
الاتحاد السوفييتي، وانتشار الديمقراطية في كل أرجاء العالم، ونهوض القوى الاقتصادية الجديدة في
آسيا تعمق العولمة. لبعض الوقت، نظر كثيرون إلى هذه التغييرات باعتبارها تقدماً كاملاً سينجم عنه
تراجع النزاع العالمي وازدهار اقتصادي واسع، لكن، منذ عهد قريب، كان هناك شك متزايد، في حين تبدو المخاوف من المستقبل تنذر بالمجازفة أكثر من المكافأة، وبالنزاع أكثر من السلام. إنه لأمر صعب أن تثبت فكرة أن دولة ما يمكن أن تعمل من دون فهم جيد لمليارات الناس الذين يعيشون
خارج حدودها. فالناس يتجاهلون العالم عند التعرض للخطر.
الغرض من هذا الكتاب هو أن يسهم في فهمنا لعلم السياسة المقارن (دراسة السياسات المحلية في كل أرجاء العالم) من خلال دراسة الأفكار المركزية والأسئلة التي تكون هذا الحقل. يبدأ بالصراع الأساسي في علم السياسة: الصراع بين الحرية والمساواة ومهمة التوفيق أو الموازنة بين هاتين الغايتين.
قنواة علم السياسة المقارن هي الكيفية التي تمت فيها تسوية هذا الصراع عبر المكان والزمان، يواصل
الكتاب التأكيد على أهمية المؤسسات. فالفعل الإنساني يسترشد بالمؤسسات التي يبنيها الناس، مثل الثقافة والدساتير وحقوق الملكية، وإذا ما نشأت تلك المؤسسات تغدو مؤثرة ودائمة ـ ليس من السهل تجاوزها أو تغييرها أو إزالتها. وبالتالي المسألة المركزية في هذا الكتاب هي كيفية نشوء هذه المؤسسات، وكيفية تأثيرها في السياسة.
مع أخذ هذه الأفكار بالحسبان، ندرس المؤسسات الأساسية للسلطة – الدول، الأسواق، المجتمعات، الديمقراطيات والأنظمة غير الديمقراطية. ما هي الدول، كيف تنشأ، كيف يمكننا قياس قدراتها واستقلاليتها وكفاءتها؟ كيف تعمل الأسواق، وما هي أنواع العلاقات التي تقوم بين
الدول والأسواق؟ كيف تتشكل المكونات المجتمعية مثل القومية والاثنية والأيديولوجيا والقيم السياسية”؟ ما هي الفروق الرئيسة بين أنظمة الحكم الديمقراطية وغير الديمقراطية، وما الذي.يفسر أن هذا النظام أو الآخر يهيمن في أجزاء مختلفة في العالم. هذه مجموعة من الأسئلة التي سنحاول الإجابة عنها.
الفصل الأول –
وحالما يتم بحث هذه المفاهيم والمسائل، ستطبق في الفصول التالية بشكل مباشر على الأنظمة السياسية المختلفة – الديمقراطيات المتقدمة، والبلدان الشيوعية وما بعد الشيوعية، والدول المصنعة حديثاً والبلدان الأقل تطوراً. وفي كل هذه الأنظمة والبلدان، تشكل المؤسسات الأساسية للدولة والسوق والمجتمع وأنظمة الحكم الديمقراطي وغير الديمقراطي العلاقة بين الحرية والمساواة.
فها هي الخصائص الأساسية التي تقودنا إلى تصنيف هذه البلدان معاً؟ كيف يقارن أحدها مع الآخر وما هي فرصها في التطور الاقتصادي والاجتماعي والديمقراطي. وفي النهاية، سنختتم نقاشاتنا بالعنف السياسي والعولة، ونبحث مسألة الإرهاب والثورة بشكل خاص، ونربط ما درستاه بمجالي الاهتمام.المركزي، الحرية والمساواة، في الوقت الحاضر .
ثمة تغييرات عديدة في هذه الطبعة من هذا الكتاب, تمثل أحد التغييرات في ترتيب فصلي الأنظمة الديمقراطية وغير الديمقراطية فقدمنا الأول على الثاني. والأساس المنطقي لهذا التغيير هو استخدام فصل أنظمة الحكم الديمقراطي كنموذج أساس لعرض أصول وبنى هذه الأنظمة، التي
تسمح لنا بعدئذ بمقارنة أكثر تركيزاً مع الأنظمة غير الديمقراطية. ويسمح هذا للفصلين أن يكونا أكثر مقارنة على نحو واضح، بدلاً من دراسة الأنظمة غير الديمقراطية باعتبارها “فئة متبقية” لمؤسسات غريبة عن المألوف. وبالإضافة إلى ذلك، تقل الفصل الذي يدرس العولمة إلى نهاية النص، بعد مناقشة العنف السياسي مباشرة. وهذا يسمح لمناقشة العولمة بأن تستفيد من البحث المبكر
للعنف السياسي وبدعنا أيضاً نبحث في كيفية الربط بين الاثنين. والأكثر أيضاً، يدرس فصل العولمة بشكل مفصل الطرق التي يمكن أن يتأثر بها علم السياسة المقارن كحقل دراسة بالغموض بين السياسات المحلية والدولية. وأخيراً، تم تحديث الأمثلة والأدلة الداعمة، بالإضافة إلى ملاحظة
الأعمال الحديثة المؤثرة في علم السياسة المقترن ومناقشتها.
تصميم هذا النص مختلف تماماً عن معظم الكتب في هذا الحقل. تقليدياً، تم تأليف الكتب حول مجموعة من دراسات بلد معين، بفصول تمهيدية حول البلدان المتقدمة وما بعد الشيوعية والعالم الأقل تطوراً. وفي حين أن نصاً مثل هذا يمكن أن يقدم قدراً كبيراً من المعلومات عن مجموعة واسعة من الحالات، إلا أن المعالجة غالباً ما تكون أقل دقة في بحث القواعد الأساسية لعلم السياسة المقارن. فقد تعرف من هو رئيس وزراء اليابان لكننا لا ندرك تماماً الثقافة السياسية أو الميركانتلية أو استقلالية الدولة؛ كل الأفكار التي تساعدنا على صنع معنى للسياسة عبر الزمان والمكان، يسعى هذا النص إلى ردم هذه الفجوة ويمكن أن يستخدم في دراسة حالات تقليدية للمساعدة على متابعة أسئلة وقضايا أكثر اتساعاً، وبإدراك هذه المفاهيم والبراهين والمسائل سيفهم القراء الديناميات السياسية في العالم الأوسع.
هذه المقاربة المنهجية للأدوات والأفكار المنهجية لعلم السياسة المقارن مدعومة بأسس دراسة راسخة تفسر وتعزز معظم المفاهيم المهمة، توضح قوائم المفاهيم الأساسية وأطر “تحت الضوء” في كل فصل المواد المهمة التي يريد القارئ أن يراجعها، وتوضح أشكال وجداول كثيرة المفاهيم الأساسية وتقدم بيانات عالمية واقعية ترتبط بالفكرة الرئيسة موضوع البحث. وتظهر المسارات الزمنية وخرائط الأفكار الأساسية التطورات السياسية الكبرى عبر الزمن حول الكرة الأرضية .
وأخيراً يتم التأكيد على أهمية المؤسسات من خلال أطر “المؤسسات في الواقع. “ساهم أناس كثر في هذا الكتاب، النص نفسه بإلهام كتاب كارين مينغست مبادئ العلاقات
الدولية. فعندما نشرت دار تورتن کتاب مينغست عام 1999، فتنت بدقته وتوصلت إلى استنتاج أن.علم السياسة المقارن سيستفيد من نوع نص مماثل. وفي دار نورتن، شجعني بيتر ليسر أولاً على تقديم اقتراح حول نص هذا الكتاب، وشجعني روبي هارينغتون على تطوير الفصول الأولية، وشجع نشرها وقدم ردوداً تفاعلية مهمة في مراحل كثيرة، وكمحررة، ارتقت بي آن شن Ann Shin إلى مستوى عال في كتابة المناقشات في الطبعة الأولى، وبالنسبة للطبعة الثانية، أخذ بيتر ليسر الواجبات التحريرية، وساعدني أكثر على تحسين العمل. وفي هذه الطبعة الثالثة، أرشدني آرون جامسيكاس عبر عدد من التنقيحات المعقدة. أنا ممتن لهم ثلاثتهم لمشاركتهم في هذا العمل، والشكر أيضاً لإليزابيث
كاستر على مساعدتها في البحث.
وبالإضافة إلى العاملين في نورتن، ساعد أكاديميون كثر على تحسين هذا العمل، والأكثر أهمية كانوا زملائي في جامعة – بوجت ساوند، لاسيها دون شایر Don Share وكارل فیلدز Karl Fields على مدى السنوات القليلة الماضية شكلنا أنا ودوف وشاير فريق تدريس لعلم السياسة المقارن.
وكان عملي مع هذين الأستاذين والباحثين المشهورين ما ساعدني على توليد الكثير من الأفكار في هذا الكتاب. وكان لطفاً ، ا من دون وكارل أن استخدما فصولاً تمهيدية ، من هذا النص في مقررهما وقدما قدراً كبيراً من الردود التفاعلية وعدد كبيراً من المقترحات، لقد كنت محظوظاً بهذين الزميلين. وجاء مصدر آخر هام من المعلومات من هؤلاء الذين راجعوه وقدموا معلومات بشكل مسبق للطبعة الثالثة