إجراءات التقاضي في الدعوى المدنية التابعة دراسة فقهية وقضائية مقارنة
إجراءات التقاضي في الدعوى المدنية التابعة دراسة فقهية وقضائية مقارنة
قدیم:
بعد وصول البشرية إلى مرحلة التمدن والحضارة التي تعقدت فيها العلاقات الإنسانية وتشابكت، كما تضاريت فيها المصالح لدرجة بات من الضروري إقامة الدولة ومؤسساتها التي أمس مفروضا عليها تحقيق الموازنة بين سلطتها الشرعية في وضع سياسة التجريم والعقاب، وبين المصالح الخاصة للأفراد سواء كانوا متابعين بمخالفتهم للتشريع الجنائي أو ضحايا للأفعال الجرمية المرتكبة من طرف الجانحين، وطبيعي أن يشكل مفهوم المصلحة جدلا فكريا واسعا لارتباطه دوما بالبعد الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والديني والسياسي لكل دولة على حدة، لكن يمكن القول بأن كل ما كان فيه نفع، سواء كان بالجلب والتحصيل كاستحصال الفوائد واللذائذ، أو بالدفع والاتقاء كاستبعاد المضار والآلام فهو جدير بأن مصلحة، وقد عرفها علماء الشريعة الإسلامية بأنها: ” المنفعة التي قصدها الشارع الحكيم لعباده، من حفظ دينهم، ونفوسهم، وعقولهم، ونسلهم، وأموالهم، طبق ترتيب معين فيما بينها”، ومن المعلوم أن التشريع الوضعي يسعى بدوره إلى حماية هذه المصالح من خلال سن القواعد القانونية، وترسيخ دعائم النظام القضائي الذي يلعب دورا رئيسيا في ترسيخ قيم العدالة وحقوق الإنسان، بحيث يبقى الانتقال من الدولة الشرعية إلى دولة الحق والقانون التي يخضع فيها الحاكمون كما المحكومين إلى سلطة القانون رهينا بمدى فعالية هذا النظام القضائي واستقلاله، وحياده.
و يشكل الحق في المحاكمة العادلة أحد الأعمدة الأساسية، لدولة الحق والقانون، ولحماية الإنسان من التعسف والشطط والتمييز و الاعتداء، لذلك حظي هذا الحق بمكانة خاصة كرستها الصكوك الدولية في مجال حقوق الإنسان من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مرورا بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية وصولا إلى اتفاقية مناهضة التعذيب و غيرها من الإعلانات و القواعد والمبادئ الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان.
ولهذا قام المغرب بإحداث مجموعة من المؤسسات التي تعتبر من ركائز دولة الحق والقانون، وكذلك إصدار قوانين جديدة أو تعديل قوانين أخرى تلاءم هذا التوجه، وكان من بينها قانون 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية وذلك بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.02.255 الصادر في 30 أكتوبر 2002، والذي جاء في ديباجته أن هاجس توفير ظروف المحاكمة العادلة وفقاً للنمط المتعارف عليه عالمياً واحترام حقوق الأفراد وصون حرياتهم من جهة، والحفاظ على المصلحة العامة والنظام العام من جهة أخرى، عناصر أساسية شكلت نقطة مركزية أثناء إعادة النظر في قانون المسطرة الجنائية الصادر سنة 1959، والظهير الشريف المتعلق بالإجراءات الانتقالية الجنائية الصادر سنة 1974 لجعلهما يواكبان ترسيخ بناء دولة الحق والقانون مع تلافي كل السلبيات التي أفرزتها تجربة الأربعين سنة الأخيرة من الممارسة باستحضار تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وقيم المجتمع المغربي مع الحفاظ على الأسس المستقرة في التراث القضائي ودعم المكتسبات التي حققها التشريع الوطني في مجال حقوق الإنسان بمقتضى التعديلات التي أدخلت على قانون المسطرة الجنائية خلال التسعينات سواء فيما يتعلق بمدة الحراسة النظرية أو توفير حق الدفاع للمتهمين أو إشعار عائلاتزالمعتقلين بوضعهم تحت الحراسة النظرية، أو حقهم في أن يعرضوا على طبيب لمعاينتهم يطلب منهم أو إذا عاين القاضي ما يبرر ذلك ودعم هذه المكتسبات على نحو يتماشى مع المفهوم الكوني لحقوق الإنسان في الوقت الراهن.
ويعتبر قانون المسطرة الجنائية أخطر القوانين المسطرية في مختلف المنظوماتزالقانونية الوطنية، لارتباطها المباشر بنوعية العلاقة التي تحكم الدولة بالمجتمع، والحق العام بالحقوق الفردية، فضلا عن كون القانون الذي يعكس بالأصالة اختيار سياسةزالدولة في الميدان الجنائي.
وقد أفرد قانون المسطرة الجنائية المغربي موادا تخول للأفراد حماية حقوقهم، والتعويض عن الأضرار التي لحقتهم جراء الفعل الجرمي الذي أتاه المخالفين للقانون فيزحقهم، فالوصول إلى الحق لا يكون هكذا إعتباطا ولا عبثا وإلا سادة الفوضى واختل الأمنووحل الجور والظلم مكان العدل والمساواة.
ومن هذا المنطلق سنحاول معالجة المسطرة الواجب إتباعها لكل من لحقه ضرر جراء فعل جرمي، من خلال التطرق إلى الدعوى المدنية التابعة من خلال المعطيات التالية:
اشكالية البحث: وتثير المعالجة القانونية لإجراءات الدعوى المدنية التابعة في قانونزالمسطرة الجنائية المغربي والعمل القضائي والاجتهاد الفقهي ، مع إجراء دراسة مقارنة مع
القوانين الإجرائية لدول أخرى وممارستها القضائية، دون إهمال التشريع الإسلامي الحنيف كلما ظهرت لنا فائدة في التطرق إليه.
أهمية البحث: تتجلى هذه الأهمية في كون موضوع البحث يندرج ضمن السياسةزالجنائية ودورها في تكريس حقوق الإنسان والتي يعد الضحية وحمايتها من أبرز تصوراتها، والمغرب وفي ظل تنامي الجريمة وتطورها يسعى جاهدا إلى النهوض بهذه السياسة والرقي بها تحقيقا للأمن المجتمعي العام.
هدف البحث: يهدف البحث إلى تدعيم الدراسات التي تناولت موضوع الدعوى المدنية التابعة، ويحاول خلق استثناء من خلال جعل هذا الموضوع بارزا ومستقلا، عكس العديد من الدارسات الأخرى التي تتطرق إليه ضمن شروح المسطرة الجنائية، وجعله عنوانا ضمن مواضيع أخرى في البحث الواحد، كما يهدف إلى لفت الإنتباه إلى كل الإشكاليات المطروحزوالثغرات القانونية التي قد تصادف الممارسين والمتقاضين في هذا المجال، مع التركيز على الجانب العملي التطبيقي إلى جانب الشرح النظري.
منهجية البحث : سوف نحاول تناول هذا الموضوع من خلال اعتماد منهج تحليلي مقارن، معتمدين فيه على النصوص القانونية والإجتهادات القضائية، والآراء الفقهية وذلك باعتمادنا على التقسيم التالي:
مدخل تمهيدي: نتطرق فيه إلى الإطار العام للدعوى المدنية التابعة؛
الفصل الأول : نتناول فيه الإدعاء المدني أمام قضاء التحقيق؛
الفصل الثاني: نحلل فيه إجراءات الدعوى المدنية التابعة أمام قضاء الحكم سواء المرجع الزجري أو المرجع المدي.
خاتمة: نقدم فيها تلخيصا موجزا للدراسة مع تبسيط وجهة نظرنا الخاصة