حقوق الإنسان دراسة النص وتحديات الواقع
حقوق الإنسان دراسة النص وتحديات الواقع
كلمة المركز
مثل مفهوم حقوق الإنسان، بأبعاده المختلفة، موضوعاً إشكالياً بين الفكرين الديني والوضعي، يضعنا إزاء منظومتين حقوقيتين متداخليتين في بعض الأوجه ومتباينتين في وجوه أخرى .
غير أن الصفة الإشكالية لهذا الموضوع تستدعي تجاوز العمل التجزيئي والمقارن بين النتاجات المقوننة على شكل موارد وأحكام دستورية، إلى البحث المنهجي والمعرفي في الأسس والخلفيات والسياقات التي تحكم كلا المنظومتين، وصولاً إلى مفضيات موضوعية تتسنى معها مقاربة كل منهما، أولاً، ودراسة العلاقة بينهما، ثانياً، بالاستناد إلى رؤى بنيويةة وساملة، بعيداً عن الإسقاطات القبلية المتبادلة
التي تدفع الوضعيين إلى الحكم على القوانين الدينية بالرجعية والتخلف ومناقضة حقوق الإنسان، من دون الإطلاع على المنظومة المعرفية الحقوقية التي انبثقت منها هذه القوانين . . . وبالمقابل ذهاب المفكرين الدينيين إلى إدراج القوانين الوضعية في خانة الإلحاد والتضاد مع التعاليم الدينية، والحكم بما لم ينزل الله، بعيداً من الخوض في الخلفيات الفكرية والظروف التاريخية والاجتماعية التي أدت إلى سن مثل هذه القوانين .
وهنا لا بد من التأكيد أن الدعوة إلى دراسة العلاقة بين هاتين المنظومتين لا تهدف، أصلاً، إلى خلق مقاربات ائتلافية وتوفيقية بينهما، بمقدار ما تهدف إلى بلورة النظام الحقوقي الديني (الإسلامي تحديداً) وفاقاً لرؤية معرفية مؤسّلة ومتكاملة، وأيضاً، فهم مباني النظام الحقوقي
الوضعي وفاقاً للرؤية نفسها، بعيداً عن منطق التجزية والتبعيض، وذلك بهدف التسويغ، معرفياً للنقد المتبادل بينهما، وتظهير الأبعاد التي يختلفان فيها من خلال مقاربات بنيوية شاملة، حيث سينكشف لنا، في مثل هذه الحالة، حجم التباين والتداخل بين النظامين، اتناداً إلى طبيعة
التباين القائمة، في الأساس، بين ما هو ديني مستمد من الوحي وما هو وضعي مستمد من المصادر المتاحة في المعرفة البشرية .
إضافة إلى ذلك، تكمن أهمية الموضوع الحقوقي في سياق
الفكرين : الديني والوضعي في الأبعاد الوظيفية ـ من حيث هي امتداد للأبعاد المعرفية والنظرية ـ التي تشكل إطاراً معيارياً يتسنى معه تحديد طبيعة نظرة كل منهما إلى الإنسان والعلاقات بين الناس على خلفية قيمية، ذلك أن كلا الفكرين بلتقيان عند القول بتكريم الإنسان «بوصفه أفضل المخلوقات» وضرورة إعمال العدالة «حتى تستقيم أمور الحياة» ؛
إذ إنّ النظام القضائي والحقوقي الإسلامي عد دليلاً على اهتمام الإسلام بشؤون الإنسان الفردية والجماعية، بما في ذلك المجتمع والدولة، فيما اتخذت الأنظمة الحقوقية الوضعية من الإنسان مقصداً أولياً ونهائياً بهدف
الحفاظ على كرامته وحقوقه .
إنطلاقاً مما تقدم، لا بد من الاعتراف بضرورات الخوض، على غير خلفية، في مفهوم الحق وفلسفة الحقوق وتداعياتها النظرية والتطبيقية وارتباطها بغيرها من المجالات المعرفية والنظرية . . . وإذ يقدم «مركز
الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي» هذه المساهمة المتواضعة في هذا المجال، فذلك إيماناً منه بأن الدراسات التي يشتمل عليها هذا الكتاب تمثل مساهمة في هذا المجال، يمكن أن تشكل من خلال انضمامها إلى مساهمات أخرى خطوة أساسية على ريق المعرفة المفضية إلى النهوض الحضاري الذي نتطلع إليه .