سياسة التجريم والعقاب في القانون الجنائي الإداري “دراسة مقارنة”

سياسة التجريم والعقاب في القانون الجنائي الإداري “دراسة مقارنة”

سياسة التجريم والعقاب في القانون الجنائي الإداري “دراسة مقارنة”

المستخلص
شهدت السياسة الجنائية المعاصرة تحولا كبيرا في مجال التجريم والعقاب نتيجة لشيوع ما يطلق عليه بظاهرة التضخم التشريعي، والتي بدأت تتفاقم بشكل كبير منذ نهاية القرن التاسع عشر بسبب الاضطرابات السياسة والاجتماعية والاقتصادية التي حدثت في كثير من المجتمعات التي عانت من الحروب والأزمات الاقتصادية، مما اضطر المشرع ومن أجل الحد من بعض السلوكيات التي ظهرت نتيجة لتلك الاضطرابات الى مواجهتها من خلال توسيع نطاق التجريم.
إلا أنه وبعد عودة الاستقرار لكثير من الدول مع انتهاء الحرب العالمية الثانية ادى الى معالجة ظاهرة التضخم التشريعي بالحد من التجريم والعقاب، وذلك من خلال إخراج بعض المخالفات قليلة الخطورة والتي لا تحتاج عند الفصل فيها لذات الإجراءات المعتمدة في نطاق
القانون الجنائي، فإذ كانت بعض الأفعال تعد مشروعة في نطاق القانون الجنائي، إلا أنها تبقى غير مشروعة وفاقا لنصوص قوانين أخرى تكون الإدارة هي المطبقة لها من خلال فرض العقوبات الإدارية.
ومن هنا ظهر ما يطلق عليه بالقانون الجنائي الإداري سيما في الدول التي اخذت به كقانون متكامل مثلما هي الحال في إيطاليا وألمانيا، يسمح من خلاله للإدارة فرض عقوبات
إدارية على اشخاص هم من غير المتعاملين معها( من غير الموظفين والمتعاقدين مع الإدارة) من خلال نصوص تشريعية منحت الإدارة هذا الحق.
وقد جاءت فكرة القانون الجنائي الإداري والتي طبقت في مجالات متعددة في قطاع المرور والصحة والبيئة و الضرائب وغيرها، من أجل الحد من التجريم والعقاب من جهة، ورفع الثقل عن كاهل القضاء من جهة أخرى، بدلا من انشغاله ببعض المخالفات التي لا تتسم بمخاطر جسيمة.
إذ يعد القانون الجنائي الإداري المظهر الرئيس لظاهرة الحد من العقاب وذلك بجعل العقوبة الجنائية هي العقوبة الرئيسة وليس العقوبة الوحيدة لمواجهة بعض السلوكيات المخالفة للقانون.
فهو يعد فرعا من فروع القانون العام والتي بموجبه تستطيع الإدارة أن تفرض عقوبات على اشخاص معينين لارتكابهم فعل مخالف للقانون من دون الحاجة للجوء الى القضاء، إذ
تعد العقوبة الإدارية قراراً إدارياً تسعى من خلاله الإدارة الى قمع سلوك غير مشروع بعيدا عن القانون الجنائي التقليدي.
وتمتاز العقوبة الإدارية بغايتها العقابية، من خلال فرضها على التقصير في أداء التزام ما، مما يجعلها تتسم بذاتية تميزها من غيرها من الإجراءات التي تتخذها الإدارة ومنها
ما يعرف بإجراءات الضبط الإداري والتي تشمل مجوعة من القواعد والإجراءات التي تفرضها الإدارة على الافراد لتنظيم نشاطهم وتقييد بها حريتهم في حدود القانون، بقصد حماية
النظام العام بعناصره المختلفة ووقاية المجتمع من الاخطار التي تهدده، مما يعني ان إجراءات الضبط الإداري تستهدف على وجه الخصوص الوقاية أو الإصلاح، بينما تكون غاية العقوبة الإدارية الردع لمواجهة الفعل المخالف للقانون، وتستطيع الإدارة ان تفرض عقوبات إدارية مع إجراءات الضبط الإداري، فمتى ما تمت مخالفة إجراءات الضبط الإداري والتي غالباً ما تفرض بنصوص قانونية محددة تستطيع الإدارة فرض عقوبات إدارية على المخالف لتلك
الإجراءات وكما هو محدد بالنص القانوني.

إقرأ المزيد  حقوق الإنسان بين الأديان والمواثيق الدولية

التحميل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

المرجوا إلغاء مانع الإعلانات لتتمكن من مشاهدة المحتوى