إبرام العقد الإلكتروني
إبرام العقد الإلكتروني
يشهد هذا العصر ثورة معلوماتية لم يسبق لها مثيل في التكنولوجيا وما صاحبها من تطور بشكل كبير ومتسارع في شبكة الاتصالات الرقمية، قربت المكان واختصرت الزمان وألغت الحدود الجغرافية بين الدول وهذه الوسيلة ألقت بظلالها على كافة جوانب الحياة، بعد أن كانت مقتصرة على أغراض عسكرية وأكاديمية في الولايات المتحدة الأمريكية عام ،1969 ثم تحولت لتستخدم لأغراض مدنية واقتصادية، وفتحت اال واسعاً لإبرام العقود بمختلف أنواعها ، مما أدى إلى ظهور نوع جديد من التبادل التجاري يسمى بالتجارة الالكترونية عبر شبكة الانترنت “تجارة العصر والمستقبل” وكان ذلك عام،1993 وأصبحت السلعة والخدمة معروضة بطريقة منظورة غير ملموسة حيث يتفاوض الأطراف المتعاقدون عن بعد فيتبادلون المعلومات وسائر البيانات بسرعة فائقة في مجلس عقد افتراضي ويثير التعامل عبر الانترنت العديد من التساؤلات حول هذه الوسيلة التي لا تعترف بالكثير من المسلمات التقليدية كالسلطة المالكة لها والحدود الجغرافية والكتابة على الورق.
وبات من الضروري البحث عن وسائل معالجتها وضبطها في اطارها المشروع مما خلق تحدياً أمام النظم القانونية، ومن أبرزها التعاقد عن بعد عبر شبكة الانترنت وقانونية المعاملات الالكترونية كالتعبير عن الارادة وتطابقها عن طريق تبادل رسائل البيانات، نظام الوفاء، الإثبات، وقد أدت أشكال الانتهاكات والجرائم اليومية في بيئة التجارة الإلكترونية إلى تزايد المنازعات الناجمة عن هذه المعاملات مما يستدعي البحث عن القانون الواجب التطبيق والمحكمة المختصة للنظر في التراع، ومدى مواءمة النصوص القانونية القائمة مع ما أفرزته وسائل الاتصال الحديثة من اشكاليات وتحديات، مما يتطلب دراسة مسحية لكافة التشريعات دون استثناء لضمان عدم تناقض أحكامها.
لذا برزت العديد من المحاولات القانونية على الصعيد الفقهي و القضائي والتشريعي للوقوف على مشكلات هذا التعامل وأشكال التراعات التي تثار بسبب التعامل بالوسائط الإلكترونية واقتراح الحلول المناسبة بشأا من
أجل تنظيمه ا وتأطيره .
و أدى ازدياد معاملات التجارة الإلكترونية التي أصبحت واقعاً عملياً فرض نفسه على المؤسسات الدولية
والداخلية المهتمة بتسهيل وتوحيد القواعد القانونية التي تطبق على التجارة الإلكترونية في جميع دول العالم
والاهتمام بمختلف الجوانب المتعلقة بالتبادل الإلكتروني للمعاملات.
وبعد دراسة مضنية جاءت لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي اليونسترال (UNCITRAL (بإصدار
القانون النموذجي للتجارة الإلكترونية لسنة 1996 الذي يحتوي على مجموعة من القواعد والإرشادات التي
دف إلى يئة بيئة قانونية أكثر ملائمة للتجارة الالكترونية ،كما صدر أيضا قانون اليونستيرال النموذجي
للتوقيع الإلكتروني لسنة 2001 دف الاعتراف بحجيته وبيان شروطه والمتطلبات اللازمة لذلك، متضمنا دعوة
الدول الأعضاء في الامم المتحدة للأخذ به، سواء بإصدار تشريعات مستقلة و بإجراء تعديلات على قوانينها
الداخلية، واستجابت العديد من التنظيمات الدولية والاقليمية كالاتحاد الاوروبي الذي بادر بوضع مشروع
قانون نموذجي لدول الاتحاد الأ وروبي مستوحياً من دراسة الامم المتحدة السابقة، وتلا ذلك العديد من المبادرات الداخلية، إلى أن أصبحت هذه الأطر القانونية للمعاملات الالكترونية حقيقة وواقعاً تشريعياً غربياً سوى ترجمة وتقليد لم يسبقها سوى القليل من الاجتهاد والتحليل.
أولاً: موضوع البحث
يتمثل موضوع هذه الأطروحة في :”ابرام العقد الالكتروني” الذي يتم من خلال شبكة الانترنت بين
التجار، وبين التجار والمستهلكين لذى حاولنا بيان البيئة الالكترونية للعقد من خلال التعرض لشبكة الانترنت
والتجارة الالكترونية وبيان ماهية العقد الالكتروني وتمييزه عن غيره من العقود، حيث يثور التساؤل حول
التفاوض الالكتروني ووسائله ومدى جواز التعبير عن الارادة وتطابقها باستخدام رسائل البيانات الالكترونية،
وعن زمان ومكان الايجاب والقبول وطريقة تنفيذ العقد، ومدى حجيته في الإثبات وطرق فض منازعاته.
ثانياً: أهمية موضوع البحث
يعتبر العقد الالكتروني من الموضوعات الهامة يفرضه الواقع والمستقبل، وله أهمية بالغة من الناحية العلمية والعملية.
.1الأهمية العملية: تكمن الأهمية العملية لموضوع البحث في ارتباطه بعقود أصبح التعامل ا يزداد يوما بعد يوم
مما يستدعي إيجاد أساليب لحماية هذه العقود، فالتعامل من خلال شبكة الاتصالات الالكترونية في صورة عقود دولية أصبح من الأمور المفروضة على الدول والافراد بالنظر إلى ما تحققه من قيمة مادية واقتصادية وما توفره من جهد ووقت من الانتقال والسفر من بلد إلى آخر.
إن الاهتمام الوطني والدولي ذا النوع من العقود أصبح متزايدا نظرا لأهميتها الكبيرة في حياة الافراد
والدول، ومن الهيئات التي تصب اهتمامها على هذه العقود لجنة الامم المتحدة للقانون التجاري الدولي، ومنظمة التجارة العالمية ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، ومجلس أوروبا والمنظمة العالمية للملكية الفكرية،
فضلا عن انظمة قانونية وطنية عديدة.
.2الأهمية العلمية: إن الأهمية العلمية والقانونية للبحث فإا تساعد المتعاملين في هذا اال بتوعيتهم بالآثار القانونية للتعامل عبر هذه الوسيلة الحديثة ومساعدة الدول في جهودها الساعية إلى استيعاب العمليات الالكتروني ،ة التي تتم بواسطة الانترنت عبر دراسة ما يتعلق بانعقاد العقد الالكتروني والتركيز على الامور العلمية التي تشكل عقبة في طريق توسعة استخدام شبكة الانترنت في التعاقد وطرح الحلول المناسبة لها وتقديم الأطر القانونية الملائمة لتنظيم معاملات التجارة الالكترونية بالشكل الذي يحقق الثقة والآمان القانوني للطرفين المتعاقدين عبر الانترنت.
ثالثاً: أسباب اختيار الموضوع
نظرا لظهور ما يسمى بالعقد الالكتروني ولأهمية الموضوع وحداثته أ، صبحت الحاجة ملحة لظهور دراسات
قانونية حول ماهية هذا الموضوع المستجد في القانون لمعرفة مدى الاستجابة لمعطيات الحداثة وتكنولوجيا
المعلومات في التجارة والمعاملات وما تثيره علاقة القانون مع تكنولوجيا المعلومات وهل يتبع القانون التكنولوجيا ويستجيب بطريقة تبعية، أم أنه ينبغي تبني أسلوب مختلف للتقارب وما يستلزم ذلك من إيجاد بيئة ومنازعات وأساليب غير مألوفة في استحقاق الحقوق وانتهاكها فضلا عن نقص الثقافة القانونية لدى المتعاملين في التجارة الالكترونية خاصة في الدول النامية مما يؤدي الى تخوف وتردد التجار والمستهلكين على التعامل ذا النمط من العقود، وخاصة في ظل الفراغ التشريعي الذي تعاني منه غالبية الدول في مجال المعاملات الإلكترونية.
رابعاً: صعوبات البحث
إن من بين الصعوبات التي واجهتنا في هذا الموضوع قد ترجع إلى ما يتسم به البحث من صبغة فنية حيث
ينبغي عند معالجة موضوع البحث ضرورة الإلمام بالجوانب الفنية لتقنيات الاتصال الحديثة لاسيما الإنترنت،
لأنه يهدف إلى إيجاد بعض الحلول للمشكلات القانونية التي تثيرها هذه التقنيات في مجال التعاقد عبر وسائل
الاتصال الحديثة سواء من حيث التفاوض على العقود أو إبرامها وتنفيذها في بعض الحالات، كما ترجع صعوبة البحث إلى ندرة الدراسات القانونية المتخصصة في الموضوع باللغة العربية وحتى الموجودة منها فلم تعطي العقد الالكتروني حقه من الدراسة والبحث، كما ترجع صعوبة البحث أيضا إلى عدم وجود قانون في الجزائر حتى الآن ينظم التجارة الالكترونية ويحدد المسؤولية القانونية في إطار العقود الالكترونية.
بالإضافة إلى حداثة الموضوع وتشعبه وسعته أوجب التطرق إلى فروع القانون المختلفة كالقانون المدني والقانون التجاري والقانون الدولي الخاص، واللجوء الى العديد من الأنظمة الوطنية لكثير من الدول والاتفاقيات الدولية والقوانين النموذجية والتوجهات الأوروبية.
ومن الصعوبات كذلك تلك الناجمة عن التطورات السريعة والمستمرة في مجال تقنيات الاتصال التي تتطلب
المتابعات الدقيقة والمتأملة ادى الى استمرار الجدل الفقهي حول الكثير من السائل التي تناولناها في بحثنا هذا
آملين أن يكون من بعده حسن الاستفادة المرجوة.
خامساً: إشكالية البحث
إن الإشكالية الرئيسة للبحث تتمثل في الإجابة على التساؤل التالي:
إلى أي مدى يمكن القول بكفاية ومسايرة النصوص القانونية التقليدية لتنظيم العقود المبرمة عبر شبكة الانترنت؟ وهل الأمر يتطلب إصدار تشريع جديد خاص بالمعاملات الإلكترونية أم تعديل وتطويع بعض التشريعات القائمة؟ وما مدى استجابة المشرع الجزائري لذلك؟.
وتندرج ضمن هذه الإشكالية أسئلة فرعية:
1 . كيف ينعقد العقد الإلكتروني بالتراضي في مجلس افتراضي؟ وكيف يتم التحقق من هوية المتعاقدين وكمال
أهليتهم من خلال شبكة الانترنت؟.
2 . كيف يتم الوفاء بالالتزامات عبر الفضاء ؟ وماهي التحديات التي تواجه اثبات ذلك؟.
3 . كيف يتم حل المنازعات الإلكترونية؟ وماهي آليات تسويتها؟.
سادسا: مناهج البحث
التي
تناولتها الدراسة ومنها.
.1 المنهج التاريخي : الذي يظهر جليا في الفصل التمهيدي حيث تم من خلاله تتبع مراحل تطور وسائل
الاتصال واستعمالها في التعاقد الأمر الذي يدلنا على فهم واستبصار التطورا ت المستقبلية، وحل المشكلات التي
نواجهها في الحاضر في ضوء خبرات الماضي لان الحاضر ولي د الماضي والمستقبل ابن الحاضر.
.2 المنهج التحليلي: ونعرض من خلاله للنصوص القانونية المختلفة والمتعلقة بموضوع البحث ومدى ملاءمة
النصوص القانونية الواردة في القواعد العامة لمشكلات التعاقد عبر وسائل الاتصال الحديثة، ومدى الحاجة الى
إصدار تشريعات متخصصة في هذا اال، لسد أي فراغ تشريعي وذلك بتحليل تلك النصوص واستخلاص
النتائج منها والأهداف التي تدعو إلى تحقيقها.
.3 المنهج المقارن: فيظهر بدوره في جل موضوعات البحث من خلال عرض ومقارنة وتحليل مختلف التشريعات
والاتفاقيات والتوجيهات الصادرة بشأن التجارة الإلكترونية ، وتأثيرها وتأثرها في ظل المعاملات الإلكترونية
والتطورات الحاصلة في ميدان المعلوماتية والاتصال .
سابعاً: خطة البحث
قسمنا موضوع البحث إلى ثلاثة أبواب رئيسية يسبقها فصل تمهيدي ينتهي بخ اتمة وذلك كما يلي:
الفصل التمهيدي: بيئة العقد الإلكتروني
الباب الأول: انعقاد العقد الإلكتروني، وقسمناه إلى ثلاثة فصول
الفصل الأول: تكوين العقد الإلكتروني
الفصل الثاني: صحة العقد الإلكتروني
الفصل الثالث: تنفيذ العقد الإلكتروني
الباب الثاني: إثبات العقد الالكتروني، وقسمناه إلى ثلاثة فصول
الفصل الأول: الكتابة الإلكتروني ة
الفصل الثاني: التوقيع الإلكتروني
الفصل الثالث: التوثيق الالكتروني
الباب الثالث: منازعات العقد الإلكتروني وآليات تسويتها، وقسمناه إلى ثلاثة فصول
الفصل الأول: القانون الواجب التطبيق على العقد الإلكتروني
الفص ل الثاني: القضاء المختص بنظر تلك المنازعات
الفصل الثالث: آليات تسوية المنازعات
خاتمة: تتضمن أهم ما توصلنا إليه من نتائج و اقترا حات
إبرام العقد الإلكتروني
التحميل
إبرام العقد الإلكتروني
إبرام العقد الإلكتروني