أحكام لزوم العقد
المقدمة
الحمد لله واسع العطاء والجـود ، أمر المؤمنين بالوفاء بالعقود، أحمده وأشكره وهـو الـكـريـم الـودود، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك المعبود ،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً متعاقباً إلى اليوم المشهود.
أما بعد :
فإن شريعة الإسلام، جاءت خاتمة لجميع الرسالات السماوية ، فكانت شاملة لجميع نواحي الحياة ، حائزة للأسباب التي تمكنها من البقاء، ففيها القواعد، و الضوابط التي لا تتغير بمرور الأزمنة، وتفاوت الأمكنة ، فحددت للناس النهج الصحيح ،والمسلك القويم، فبهذه الشريعة الغراء ، تصـلـح النفوس، وتنتظم المعاملات ، وتقوم الحياة على خير سبيل.ولقـد أولت هذه الشريعة (العقـود) اهتماماً بالغاً ؛ لما لها من أهمية في حياة الناس ،فبالعقود تقضى مصالحهم ، وتـدار شـؤونهم، ذلك أن الإنسان لا ينفك عن إبرام عقد من العقود، فجعلت للعقـد قـواعـد تضبطه، ومعايير تحفظه. بهـا يـدرك العاقد ماله من حقوق فيطالب بها ، ولا يتجاوزها، وما عليه من التزامات فيؤديها، ولا يمنعها.
والأصل في العقـود أن توصـف باللزوم، وهذا الأصـل لـيس مـطـرداً في جميع العقـود، فمـنـهـا مـا يناسبه اللـزوم وهـو الأكـثر، ومنها ما يناسبه الجـواز وهـو الأقل ؛ لعدم حصول ضرر لوصفه بالجواز ؛ ولأن صفة اللزوم في العقد من الصفات المهمة ؛ إذ بموجبها لا يستطيع العاقد تركه ، و فسخه إلا بعد رضا الطرف الآخر.
لهذا فقد اخترت أن يكون أحكـام لـزوم العقد موضوعاً لدراستي لنيل درجة العالمية العالية (الدكتوراه)، وقد تلخصت دوافع اختياري في الأسباب التالية :
أحكام لزوم العقد
أسباب اختيار الموضوع :
أولاً : أن لزوم العقد مسألة مهمة تترتب عليها الحقوق في أكثر المعاملات ، وهذا بطبيعة الحال يستلزم بيان ضابط اللزوم، وما يترتب عليه من تبعات ، وآثار. كما أنه يستلزم بيان الموانع، والسوالب التي تؤثر عليه، الأمر الذي يعين على تصوره ، وفهمه، ومعرفة أحكامه ، ومسائله بصورة واضحة.
ثانياً : أن جمع شتات مادة اللزوم التي ذكرها العلماء رحمهم الله في أبـواب متعددة يتعلق اللزوم فيها بكـل بـاب بحسبه ، يعين على إعطاء تصـور واضح عن موقف الشريعة الإسلامية من اللزوم في العقود عموماً.
ثالثاً : لم يفرد هذا الموضوع حسب علمي ببحث مستقل، يحدد مفهوم اللزوم ، وآثاره ، وسوالبه، وموانعه، بالصورة المطلوبة ؛ لذا رأيت من الأهمية بمكان أن تفرد
هذه الجزئية ببحث يجمع شتات المادة العلمية المتعلقة بها .
رابعاً: أن في المادة المتعلقة بلزوم العقـد مسـائل خلافية كثيرة، تحتاج إلى جمع أقوال العلماء رحمهم الله فيها، مع العناية بنسبتها إلى مصادرها، وتوثيقها توثيقاً علمياً، وبيان أدلتهم النقلية، والعقلية، وأوجه دلالتها، وما يرد عليها من ردود ، ومناقشات ، ثـم بيان ما يترجح منها، وفي تعرضي لمثل ذلك فائدة عظيمة كما لا يخفى.
ونظراً لهذه الأسباب رأيت أن أختار هذا الموضوع، ودراسته.
خطة البحث :
يتكون البحث من مقدمة ، و تمهيد ، و ثلاثة أبواب، وخاتمة